تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
لا أعتقد أن شاعراً عربياً علي امتداد مساحة الشعر العربي بكافة أشكاله وتعدد أطيافة قد أثير من حوله مثل ما أثير حول شاعرنا من جدل ونقاش ،، فهو ومنذ ولادته الشعرية الأولي عام 1944 العام الذي انقض فيه علي مملكة الشعر شاهراً ديوانه الأول " قالت لي السمراء " وهو في وسط دائرة تموج بالجدل ، الجدل الأدبي والجدل الإجتماعي ، وهو يقول عن هذا الديوان :
( نشرتُ مجموعتي الشعرية الأولي ـ قالت لي السمراء ـ في أيلول / سبتمبر 1944 ، نشرتها من مصروف جيبي ، وكانت الطبعة الأولي منها 300 نسخة فقط .. لأن ميزانيتي كطالب لم تكن تسمح بأكثر .
وبلحظة تحرَّك التاريخ ضدي .. وتحرَّك التاريخيون ، رفضوا الكتاب جملةً وتفصيلاً ، ورفضوا عُنوانه ورفضوا مضمونه ورفضوا حتى لون ورقه وصورة غلافة ، هاجموني بشراسة وحشٍ مطعون ..
كان لحمي يومئذ طرياً .. وسكاكينهم حادة ..
وابتدأت حفلة الرجم ..
ففي عدد مارس 1946 من مجلة الرسالة المصرية كتب الشيخ علي الطنطاوي عني وعن كتابي الكلام الدموي التالي :
" طُبعَ في دمشق كتاب صغير زاهي الغلاف .. ناعمه ، ملفوف بالورق الشفاف الذي تلفُّ به علب الشكولاته في الأعراس ... فيه أشطارٌ طولها واحدٌ إذا قستها بالسنتيمترات ... يشتمل علي وصف ما يكون بين الفاسق والقارحِ والبغيّ المتمرسة الوقحة وصفاً واقعيا لا خيال فيه لأن صاحبه ليس بالأديب الواسع الخيال بل هو مدللٌ غني ... وفي الكتاب مع ذلك تجديد في بحور العروض يختلطُ فيه البحر البسيط والبحر الأبيض المتوسط ، وتجديد في قواعد النحو لأن الناس قد ملُّوا رفع الفاعل ونصب المفعول ... "
هذا نموذج مصغَّرٌ لواحد من الخناجر التي استعملت لقتلي .. وصوتٌ من أصوات القبيلة التي تحلَّقتْ حولي ترقص رقصة الموت .... و " قالت لي السمراء " حين صدوره أحدث وجعاً عميقاً في جسد المدينة التي ترفض أن تعترف بجسدها .. أو بأحلامها ... )
هكذا كانت الخطوات الشعرية الأولي لنزار قباني .. خطوات علي شوك ، لكنها لم تثنه عن المضي قدما نحو غايته الشعرية ،، وفي القاهرة التي ارتحل إليها عام 1945 كأول محطة من محطات عمله الدبلوماسي تأكدت شعرية نزار وتأكد عزمه علي الهجوم علي قطار الشعر وقطار اللغة كما يصف ، في القاهرة التي يقول عنها :
( للقاهرة عليَّ فَضْلُ الربيعِ علي الشجر ... كانت القاهرة في الأربعينيات زهرة المدائن وعاصمة العواصم العربية وكانت بستانا للفكر والفن عزَّ نظريه .. )
كانت القاهرة في هذا الوقت حلقة فكرية صاخبة وفيها تعرف نزار علي الكثيرين من أعلام الفكر والأدب والثقافة والسياسة ، وكان من بين هؤلاء الذين منحت القاهرة لنزار فرصة التعرف إليهم " توفيق الحكيم ، محمد عبد الوهاب ، محمد حسنين هيكل ، المازني " إلا أن نزار قد خص واحد منهم بالذكر وهو الناقد الأدبي الكبير أنور المعداوي الذي كان من أشد المتحمسين لنزار كشاعر وكان أن تعهد مجموعته الشعرية الثانية " طفولة نهد " بالرعاية والتشجيع للدرجة التي جعلته يُقنع الأستاذ أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة ـ المجلة الأدبية الأشهر ـ أن ينشر نقدا كتبه هو حول المجموعة الشعرية الوليدة ، ويروي نزار موقفاً طريفا حدث بهذا الخصوص قائلا :
( صدر مقال المعداوي في الرسالة كما كان مقرراً .. ولكن الأستاذ الزيات رأي حرصاً علي سمعة مجلة الرسالة الرصينة المحافظة ، أن يغيِّرَ عُنوان مجموعتي الشعرية من طفولة نهد إلي طفولة نهر، وبذلك أرضي صديقه الناقد أنور المعداوي وأرضي قراء الرسالة المحافظين الذين تُخيفُهمْ كلمة النهد وتزلزل وقارهم .. ولكنه ذبح اسم كتابي الجميل من الوريد إلي الوريد )
وهذا الموقف الذي رواه القباني قد يكون مؤشراً علي مدي صعوبة هذه الولادة الشعرية بدليل أنه وفي مصر التي كانت تموج بالحركات الفكرية والثقافية قد قوبل شعره بقبول علي استحياء .
ومن بعد القاهرة بدأ ارتحال نزار في العالم فهو هولندي طائر جديد تنقل من عاصمة لعاصمة ومن أرض لأرض وتلك التجربة بكل تأكيد قد وسعت مداركه الشعرية وشكلت لديه مخزونا فكريا تبدي في لغته فيما بعد وجعلته يؤكد أنه مدين للترحال بثلاثة أرباع شعره .
نزار قباني هذا العاشق الدمشقي الكبير ،، يختلف من يختلف معه ويتفق من يتفق ،، ولكن تبقي حقيقة واحدة مؤكدة هي أن نزار شاعر لن يجود الزمان بمثله ،، إنك علي مر التاريخ الشعري العربي قد تعجب بكثيرين وقد تحفر في ذاكرتك أبيات شعرية من هنا وهناك ،، وقد تدمن السكني في بيت شعر أو قصيدة لشاعر ،، ولكن حين سيعد عظماء الشعر العربي فنزار هو أحدهم ،، وفي رأيي الشخصي أن نزار قباني هو ثاني اثنين في مملكة الشعر يقف جنباً إلي جنب مع إمام الشعراء أبي الطيب المتنبي .
وفي هذا الموضوع أحاول قدر ما أمكنني أن ألملم شتات شعره المنثور كدندنات الغيم فوق العالم العربي ،، أحاول أن أجمع أغلب أعماله الشعرية والنثرية ، منتهجا الخط الذي اتبعته مع الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش مع إضفاء بعض التعديلات ،، ولذا ففي المشاركتين التاليتين سأضع فهرسا يحتوي أسماء القصائد التي توجد في هذا الموضوع وكل قصيدة هي رابط ينقل القاريء إلي المشاركة التي تضم القصيدة ،، ثم في المشاركة الثالثة سأضع إن شاء الله فهرسا آخراً يضم روابط للمجموعات الشعرية التي قسمت القصائد عليها ،، ثم يلي ذلك سأبدأ إن شاء الله بوضع القصائد تباعا مقسمة إلي أجزاء يضم كل جزء عشر قصائد يليها مشاركة تضم رابط تحميل لملف بصيغة pdf يحوي القصائد العشر السابقة .